الواهمة
$7
تعيش سوار في حالة من الندم المتواصل لتمردها على أهلها والهرب بصحبة جار لها لتتزوجه على غير رغبة أبيها. تذهب معه حيث الحب الذي اعتقدت إنه لن يتكرر مرة أخرى وسيعطي بعدا أخر لحياتها الفقيرة بالقرية الصغيرة. كانت تحيا حياة عادية ازدادا إغلاقا بعد القبض على أخيها الصغير والاختفاء في غياهب السجون دون معرفة أي شيء عنه. ازداد البيت كآبة وأمها غما وأبيها صرامة، وسقطت هي في حزن لم يخرجها منه سوى حبها لأحمد وهربها معه. لكنها لم تجد منه سوى الإهمال والنكران. كانت تجلس وحيدة بالأيام الطويلة لا تردي ماذا تفعل بنفسها في كل هذه الوحدة التي تخللت كل أيامها الطويلة مع رغب مكبوتة لرؤية أمها والأطمئنان على احوالها لكن ليس في إمكانها العودة. تقول سوار: “جلست تلك الليلة أمام مرآة تسريحتها تتحسس وجهها، الذي بدأت تغزوه بعض التجاعيد، التي لم تستطع إخفاء ملامحها الأمازيغية الجميلة، بأنامل أصابعها الطويلة والرفيعة كأنها مفاتيح لآلة بيانو عتيقة. كانت بداية تلك التجاعيد الخفيفة الظاهرة عليها، خاصة على جبهتها البارزة الناصعة البياض، تفصح عن امرأة على مشارف العقد الرابع من عمرها، وعلى حافة العقد الثالث منه. شعرت بغصة الفقدان والخذلان، لأنه عند عتبات منتصف الليل ستكمل سوار أربعين سنة من عمرها. وكأن الحياة تنحرف عنها وتتركها لمتاهات الأقدار وحيدة، بائسة، مسلوبة الإرادة، مستسلمة للارتماء في أحضان العدم والفراغ. تسمرت أطرافها أمام مرآة تسريحتها الخشبية الجميلة الموضوعة في تلك الزاوية المبهمة، والتي تعكس الزوايا الأخرى المقابلة لها من غرفة نومها الواسعة والمرتبة، إلا من بعض الفوضى الخفيفة على السرير الزوجي الكبير المغطى بشرشف زهري أنيق جزء منه مرتب، أما الجزء الآخر فقد عبثت سوار به لكثرة تقلباتها في السرير، بعدما هجر النوم عينيها السوداوين، الواسعتين المحمرتين من الأرق الذي أصابها تلك الليلة”.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.