مدن سينمائية

إن العلاقة بين المدينة والسينما، رغم عمرها الذي لم يتجاوز إلا قرنًا من الزمان، علاقة قوية وراسخة، إذ إن الصور والأصوات التي تجسِّدها الأفلام تنقل إلى جمهورها وبشكلٍ مباشرٍ تجارب العيش بمدن بعيدة ربما قد لا يتسنَّى له يومًا زيارتها. كما أن الأفلام تلتقط أيضًا عقلية المجتمعات المختلفة؛ لتكشف لنا عن الكثير من حياتها ‏العامة والخاصة، وتؤثر الأفلام على الطريقة التي نصنع بها صورًا تشكِّل تصوُّرنا للعالم، كما أنها في كثيرٍ من الحالات تؤثر على طريقة تعاملنا مع الحياة. إذا ما قبلنا الفرضيَّة القائلة بأن الأفلام أصبحت جزءًا لا يتجزَّأ من الحياة في المدن. والآن أصبحت المدينة والمدينة السينمائية متشابكتين بشكلٍ لا ينفصم على مدى القرن الماضي، حيث أصبحت هُويَّات الأماكن مرتبطة بتصويرها السينمائي. فقد رأينا معالم نيويورك ولندن وطوكيو تتحوَّل إلى رموز أيقونيَّة للثروة والسُّلْطة، والمكانة والثقافة من خلال السينما. يعرض كتاب مدن سينمائية: تأريخ للحداثة الغربيَّة من الشاشة إلى الواقع، تحليلًا لشكل العمران السينمائي والتاريخ الحضري للحداثة وما بعد الحداثة من خلال عدسة الكاميرا وشاشة السينما، ويتتبَّع طمس الفصل بين الواقع والمُتخيَّل عبر سلسلة من الأفلام ‏الأمريكية والأوروبية الشهيرة التي تمثل ‏نقاطًا مهمة في تطور الحضارة الإنسانية. يخلُص الكتاب إلى أن كُلًّا من الواقع العمراني والعمران المصوَّر على الشريط السينمائي في القرن العشرين يؤسس كُلُّ منهما الآخر بشكلٍ تبادلي؛ إلى حدٍّ يجعل دراسة أحدهما وحده دون الآخر غير مُجدٍ لأنهما وجهان لعُملة واحدة.