رجل تتعقبه الغربان
$10
يلتقطُ يوسف المحيميد خيطَ السَّرْد بطريقةٍ جديدة، لا تبدأ بالحاضر، وحَظْر التجوُّل في مدينة الرياض، أو أربعينيَّات القرن الماضي كي يرصُدَ المدينة المُحصَّنة بأسوارها الطينيَّة فحسب، وإنما يقفزُ بالزمنِ في مغامرةٍ مختلفةٍ نحو المستقبل، من خلالِ منظارٍ روسيّ بعدستَيْن حَمْراوَيْن، وشخصيةٍ قَلِقةٍ تفرضُ على نفسها عُزلةً اختياريَّة؛ هربًا من ترقُّب الغربان الطائشة في الطُّرُقات، وحفاظًا على ذاكرةٍ يَقظةٍ سجَّلت حياةَ عائلةٍ نجديَّة طاردتَها الحروبُ والأوبئة. يستخدمُ المحيميد في روايته “رَجلٌ تتعقَّبُه الغِرْبَان” الرمزَ والإيحاءَ في سردٍ مُقتضَبٍ ولاهث، مُتسلِّحًا بعدسةٍ سينمائيَّة خاطفة، تشيرُ دون أن تكشف، وتقولُ من غير كلمات؛ لتعبِّر عن عزلةِ الإنسان ووحدته، وصراعهِ المستمر أمام الموتِ والوباء، من خلالِ ثلاثةِ أجيال، وأماكن مختلفة، يتلقَّفُها السَّرْدُ بخفَّةٍ وتنقُّلٍ ذكيٍّ ومدروس. وفي حين تتصدَّرُ العملَ حكايةُ “سليمان الزارع”، إلا أننا سريعًا ما نكتشفُ أن “الوباء” هو البطلُ الحقيقيُّ للعـمل، وهو ما يُمثل بؤرةَ السَّرْد التي تتحـرَّك حولهـا الحكايات. حكاياتٌ عن الفقر، والفَقْد، والرحيل والمرض والجوع الذي يُزعزعُ أركانَ الرُّوحِ ولا يتركُ مكانًا سوى للخوف. هذا الخوفُ الذي يتجسَّد حِسيًّا في الغربان التي تطاردُ بطلَ الرِّوَايةِ ليهرُبَ للمستقبلِ مَنفيًّا في أرضٍ غريبة. هذه الروايةُ تغامرُ كثيرًا نحو أَنْسَنةِ الأشياءِ والكائنات، ليس بما يكشفُ اغترابَ الإنسان، وإنما بتبادُلِ الأدوارِ بين الأشياءِ والبشـر، بين الإنسانِ والحـجرِ، بين الطفلِ والحشرات، حتى لا يعـودَ السـردُ مستقيمًا، وإنَّما دائـرة تتكرَّر، دون أن تبدأ أو تنتهي الحكاية.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.