تحرير المرأة العربية في عصر النهضة

عندما باشرتُ تحليلَ نَصِّ قاسم أمين «تحرير المرأة» لم يكن في ذهني سوى الخوض في الإجابة عن مدى تشغيل التقنيَّات البلاغيَّة في السياق الكُلِّي للنص، وتقديم تحليل قادر على الكشف عن بِنْيتِه البلاغيَّة. بيدَ أنني بعد تفتيتي لهذه البنية في السياق وإعادة تركيبها في سياق النَّمط الخِطابي الذي انبثق منه، اكتشفتُ أنَّ النتائج التي توصَّلتُ إليها لا تصنع من هذه المحاولة عملًا قادرًا على إثارة الاهتمام خارج دائرة المنشغلين بقضايا الحقل البلاغيّ الصِّرْف. طويتُ أوراقي ما يقاربُ عامًا كاملًا، ولم أعُد إليها إلَّا بعد قراءتي لكتاب جليلة الطريطر «مَرَايا النساء»، حيث قدمت دراسةً ثقافيَّةٍ لأفكار هؤلاء في ضوء كتابات الذات النسائيَّة. أسهمت هذه المقارنة في إضاءة جوانب خفيَّة في هذا الخطاب، بعضُها إيجابيّ مثل نجاح المُصلِحين في تقويض التمثيلات السلبيَّة التي بَنتْ صورة المرأة في الوعي الجماعيّ وإنشاء تمثيلات جديدة. وبعضُها الآخر سلبيّ يتمثَّل بالأساس في النَّسَق الثقافيّ الذكوريّ الذي انطلق منه هؤلاء في مسعاهم لتحرير المرأة الذي لم يكن تحريرًا حقيقيًّا يحاكم الهيمنة الذكوريَّة، بل كان جزءًا من مشروعهم لإصلاح المجتمع وتحديثه. وبناءً على هذا التحليل الثقافيّ المثمر، أمكننا أن نعيدَ النظرَ في تقييمنا الإيجابيّ المُبالَغ فيه لموقف هؤلاء من قضيَّة حرية المرأة. إنه تحليلٌ يدعونا إلى مراجعة ما استقرَّ في تفكيرنا من أفكارٍ بالإنصات إلى صوت المرأة التي عاصَرت هؤلاء وأنتجت خطابها التحرُّريّ الذاتيّ.