أوراق الغريب

أعيش رحلة ليلية في مصاحبة الظلال. فأنا لا أعود إلى بيتي في تلك الأثناء، كما يفعل الجميع، وإنما أقوم بدفع ظلالي وجرها تحت أضواء النيون التي تتناسخ متقابلة على مد البصر، في لعبة صامتة لا تترك أثرا، ماسحا الطريق الطويلة المقفرة إلا من سيارات وهنود تائهين يلقون تحية السلام آليا حتى من دون انتظار سماع الرد عليها. وكنت في حالات وجومي وسرحاني أكتفي برفع يمناي دون توجيه النظر إلى صاحب التحية، تاركا ذهني ينتقل من هاجس إلى آخر. يكون بصحبتي قبل أن أصل إلى البحر ظلان صامتان، ظل يرتمي خلفي داكن قصير، وآخر أمامي أقل دكنة يطول ما أن أبتعد عن رأس المصباح الذي يتساقط شعاعه مباشرة فوقي، ثم يقصر ما أن أتقدم أكثر إلى رأس مصباح آخر ليحل محله الظل الذي في الخلف، فيندمجان لحظة قبل أن يولد من جديد كل منهما، وكأنما ينبثق الواحد منهما من رحم الآخر. وهكذا يتناوب الظلان في لعبة الاختفاء والظهور. ولأن المسافة من الولجة إلى الكورنيش ليست قصيرة بالنسبة إلى الراجلين، فإن الظلين يبقيان طويلا برفقتي، أحاورهما بالنظرات وأحرك الحديث بيننا بأدنى التفاتة أو رفعة يد أو قدم أو أن أقذف فوقهما -على سبيل اللعب- حصاة أو قطعة خشب أو أي وعثاء مما يجود به الشارع المسفلت الطويل. ونتيجة لطول الصحبة والرفقة، أطلقت على الظل الذي خلفي اسم عمتي حنان، والظل الذي ينطلق من قدمي ويطول أمامي شامخا متقدما الركب، أسميته الحاج سيد محمود.